لم يَعدِ التَّهديدُ الذي يُواجِهُ الإنسانَ مُقتصِرًا على الحروب العسكريّةِ أو الأزماتِ الاقتصاديّةِ، بل أصبحَتِ العقولُ نفسُها ساحةً للصِّراع، حيثُ تُزرَعُ فيها الأفكارُ المُضلِّلةُ، وتُسلَبُ منها القُدرةُ على التَّمييزِ بينَ الحقِّ والباطلِ.
لقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى هذه الحقيقةِ منذُ قرونٍ، مُؤكِّدًا أنَّ المعركةَ الحَقيقيّةَ ليسَت فقط بينَ القُوى السِّياسيّةِ أو الاقتصاديّةِ، بل بينَ الرُّؤيةِ السَّليمةِ للوجودِ وبينَ التَّصوُّراتِ المُنحرفةِ التي تُضلِّلُ الإنسانَ عن هدفِه الحَقيقي. يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ [الإسراء: 36].
إنَّ هذا التَّحذيرَ الإلهيَّ لا يُعالجُ مسألةَ المعلوماتِ المَغلوطةِ فقط، بل يَتجاوزُ ذلك ليَضعَ أساسًا عَميقًا للأمنِ الفِكريِّ، وهو أنَّ العقلَ مَسؤولٌ عن المعرفةِ التي يَكتسِبُها، وأنَّه لا يَجوزُ له أن يَبنِيَ أحكامَه على الظُّنونِ والشُّبهاتِ. ومن هنا، نجدُ أنَّ القرآنَ لا يُقدِّمُ الفكرَ كعَمليّةٍ عَقليّةٍ مُجرَّدةٍ، بل يَربطُه بالبَصيرةِ، والمَسؤوليّةِ، والوَعي العَميقِ بحَقائقِ الوُجود.
اضافةتعليق