
بعد ذلك أبرزنا الحاجة لبناء هذا العلم، واجتهدنا في وضع أهم أصول علم النفس القرآني ومبادئه، مثل التوحيد، ومنزلة الكرامة الوجودية للإنسان، ووظيفته الاستخلافية في الأرض، وقدرته على الاختيار الحُرّ بين الغواية والهداية. ونظرًا لضيق المجال، فقد اقتصرنا على تحليل مفهوم واحد من مفاهيم هذا العلم، وهو النفس بمختلف أنواعها، وأحوالها، ومقاماتها، ومسمّياتها في القرآن الكريم.
كما قدّمنا بعض الأمثلة على الوظائف النفسية التي اختصّ بذكرها القرآن الكريم من دون علم النفس الحديث، مثل الرؤى، والإلهام الرباني، والتفكّر، والتدبّر.
كما سلط البحث الضوء على أهم النقاط التي تعين المرء على تزكية نفسه، وذلك عبر تتبع الآيات القرآنية التي تحدثت عن النفس وطبيعتها وطريقة تعامل الإنسان معها، وكيف يُمكن أن يكون من أهل الفلاح أو من أهل الانحراف بحسب القواعد القرآنية المبثوثة في السور الكثيرة التي أخبرت عن عاقبة البشر..
لقد خلق الله النفس الإنسانية وأولاها عنايته، ثم خطَّ لها طريق الاستقامة بعد أن شقَّ في أغوارِها البياناتِ التفصيليةَ الجامعةَ للخيرِ وللشرِّ، أما النقاط الفاصلة بين المنهجين والتي توضح الطريق وتنير السبيل دالَّةً على النقاط المساعدة على معرفة المنهج الوسطي الذي يزكي النفس الإنسانية تزكية متوازنة، بحيث يكشف الطريق القويم كشفًا مبينًا.
كما يهدف إلى تبيين كيف يمكن للتعاليم القرآنيّة أن تساعد على تعزيز الصحّة النفسيّة وتحقيق النجاحات الفرديّة والاجتماعيّة؛ لكونها دليلًا جامعًا لذلك. في الخطوة الأولى يدرس المقال مفهوم الصحّة والصحّة النفسيّة بالإفادة من الدراسات الإسناديّة- المكتبيّة، ويعرض مؤشّرات الصحّة النفسيّة برؤية علم النفس الإنساني، ثمّ يُحدّد مؤشّرات الصحّة النفسيّة في سورة (لقمان) ويُحلّلها.
تشير نتائج البحث إلى أنّ المفاهيم الدينيّة المتداولة في سورة (لقمان) لها تأثير مباشر في التوازن النفسي والسلوكي للفرد. وتشير مقارنة مؤشّرات الصحة النفسيّة في القرآن مع علم النفس الإنساني لـ (كارل روجرز) إلى تشابهات مهمّة بين هذين المصدرين. واستنادًا إلى ذلك، فإنّ العمل بتوصيات القرآن الكريم، يمكن أن يحدّ من ظهور الاختلالات النفسيّة ويُهدي الأفراد إلى السكينة المستقرّة في حياتهم الفرديّة والاجتماعيّة.
وفي ظلّ واقع يُعاني من الفراغ الروحي والانحرافات الحضارية، تصبح الحاجة ماسّة إلى الذكر، بوصفه طريقًا لإيجاد الإنسان المسلم المتوازن، والقادر على الإسهام في بناء مجتمع راشد وحضارة إنسانية عادلة. وهكذا تتحقّق الحياة الطيبة التي وعد الله بها عباده المؤمنين، ويُصان الفرد والمجتمع من السقوط في "المعيشة الضَّنكا"..
فهو يعتقد بقضايا هامّة ضمن دراساته القرآنيّة، ومن بينها أنّ القرآن الكريم قد دُوّن بعد قرنين من رحيل النبي الأكرم (ص) إلى الملأ الأعلى، وأنّ القرآن قد استُلْهِمَ من العهدين، ودُوّن في بيئة تسودها النزاعات الطائفيّة، وأنّه قد أُخذ عن حضارة الرافدين، وكذلك بعض المفاهيم القرآنية من قبيل الاستعارة. ونتيجة لذلك، فقد دعت هذه القضايا كلّها (ريبين) ليمضي في مسيرٍ لإثبات هذه الأسس والفرضيّات المسبقة، التي ظهرت في كتاباته التي سوف يُشار إليها في هذا المقال.
وقد أدّى هذا التوسّع، على ضخامته، إلى ظاهرة لافتة تمثّلت في تعدّد المقاربات وافتراقها بدل اجتماعها؛ إذ صار لكلّ مدرسة تصوّرها الخاصّ للنفس ولطرائق علاجها، ما كشف عن غياب الإطار المرجعي الموحّد الذي يمكن أنْ تختبر فيه هذه النظريّات نفسها وتنتظم ضمنه. وهذا يدلّ على أنّ الحقل النفسي رغم تقدّمه الظاهر ما زال يبحث عن مركز يضبط اتجاهاته. لكنّ هذا الاتساع جرى، في أغلبه، داخل أطر فلسفية مخصوصة، تشكّلت تاريخيًّا ضمن مسار الحداثة الغربية؛ حيث جرى تعريف الإنسان بوصفه ذاتًا مغلقة على خبرتها الفردية، وجرى تفكيك العلاقة بين الروح والجسد، وتحديد النفس بخصائص وظيفية، أو بنى لغوية، أو سيرورات عصبية.
كما عليه أن يكون ذا قدرة عالية على الإقناع، خصوصًا فيما يتعلّق بالإشكاليات العقدية المعاصرة، ومواجهة الفكر الإلحادي، ويمكّن نفسه من الإجابة بشكل سلس ومقنع ومؤثر، ويجعل الحوار أساس الانطلاقة وختامها، مستعينًا بالقرآن الكريم وسُنّة المعصومين.
يرتكز جهاد التبيين في فكر الإمام الخامنئي على توضيح الحقائق، ودفع الانحرافات، ومواجهة سهام العدو الفكرية، ما يجعل كل جهد توعوي جهادًا فكريًا حقيقيًا. ويستلزم ذلك من المعلّم امتلاك مهارات عقدية وسلوكية وحوارية، مع فهم عميق لاحتياجات المراهق النفسية والاجتماعية، مضافًا إلى القدرة على معالجة الشبهات، والإجابة عنها بحكمة وبراعة.
كما يبرز المقال أهمية التفكير الناقد والإبداعي في القرآن، وضرورة استثمارها تربويًّا، ليصبح المراهق واعيًا ومسؤولًا، وقادرًا على مقاومة الانحراف الفكري، والتحوّل إلى عنصر فاعل في بناء الوعي والهوية الإسلامية.
في هذا السياق، يعزّز التصوّر الإسلامي فكرة التوازن بين العقل والشهوة في تحديد السلوك السوي؛ إذ يُنظر إلى سلوك الإنسان من خلال تصنيفات تربط بين الجوانب النفسية والفكرية، بما في ذلك السلوك العبادي والخُلُقي.
أما فيما يتعلّق بالأمراض النفسية، يعرض الإسلام العلاج من خلال التوبة والوعي الروحي، مشيرًا إلى أهمية العوامل الدينية والروحية في تحقيق التوازن النفسي. في المقابل، تعتمد المناهج الغربية على استراتيجيات علاجية متعدّدة، مثل العلاج التحليلي والسلوكي، التي تركّز على التأثيرات النفسية والاجتماعية لعلاج الاضطرابات. وبذلك، يتجلّى الفرق بين الرؤيتين في فهم الإنسان وعلاجه؛ حيث يسعى التصوّر الإسلامي إلى تحقيق توازن داخلي من خلال تقوية الروابط الروحية والخُلُقية.
التعليقات