ولعلّ أبرز ما يُلحظ في هذا الدور التفسيريّ للنبيّ، تمثله في مستويين: المستوى الأوّل هو المستوى العام الذي يُبيّنه للعامّة، بحدُود الحاجة، ومتطلّبات الواقع، وبقدر الاستيعاب ومستوى التلقِّي. وبسببه اعتقد البعض أنّ النبيّلم يُبيّنْ من القرآن إلّا عددًا محدودًا من الآيات، كما في الخبر الذي أخرجه البزّار: "ما كان رسول الله (ص) يُفسِّر شيئاً من القرآن إلا آيًا بِعَدد، علَّمه إيّاهُنَ جبريل"(). وهذا الاعتقاد مخالفٌ لقوله تعالى في بيان وظيفة النبيّ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[النحل:44]، فقد وضّح القرآن الكريم أنّ تبيينه كان تفسيرًا شاملًا.
أمّا المستوى الثاني، فهو المستوى التفسيري الخاصّ، الذي يتطلّب وعيًا عميقًا واستيعابًا شاملًا للأغراض القرآنيّة، وحملًا لتراث القرآن الكريم، ولم يكن بين المسلمين من يمتلك هذه الأهلية سوى الإمام علي(ع)، الذي نزل فيه قوله تعالى: وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ[الحاقة:12]، الأمر الذي يُتيح له أنْ يكون مرجعاً أمينًا بعد النبيّ في فهم القرآن، وإفهامه للأمّة، وضماناً لعدم تأثر فهمها بأفكار خاصّةٍ أو منحرفةٍ أو مسبقاتٍ ذهنيّة، أو رواسب جاهليّة. وقد فسّر النبيّ القرآنَ للإمام علي تفسيرًا مُستوعبًا تفصيليًّا يُناسب قابليته، وقام الإمام بدوره بنقله إلى الأئمة من أبنائه، فتوارثوه جيلًا بعد آخر.
اضافةتعليق