وفي مواجهةِ هذا الطوفانِ الصامتِ، يبقى القرآنُ الكريمُ شاهدًا حيًّا على قدرةِ الوحيِ على تحريرِ الوعيِ وتوجيهِ الرغباتِ نحو الاعتدالِ والبركةِ والمعنى.
أوَّلًا: الاستهلاكُ بينَ الحاجةِ والهيمنةِ
يستحيلُ فَهمُ النَّزعة الاستهلاكية المعاصرة بمعزلٍ عن سياقها الحضاري الذي أعاد تعريف الإنسان بوصفه كائنًا استهلاكيًّا قبل أن يكون كائنًا عاقلًا أو أخلاقيًّا. ولقد تطوَّرت هذه النَّزعة في الغرب تدريجيًّا مع صعود الفلسفة المادِّية، التي ترافقت مع الثورة الصناعية، لتتكرَّس لاحقًا في صورة حضارة كاملة تجعل الاستهلاك مرادفًا لمعنى النَّجاح والوجود والهُويَّة.
في الماضي، كان الاستهلاك نشاطًا وظيفيًّا يرتبط بإشباع الحاجة وسدِّ الرَّمق وتأمين معيشة كريمة. وكانت المجتمعات الزِّراعية التقليدية تعرف حدودًا صريحة بين ما هو ضروري وما هو ترف زائد. فقد كان الفائض نادرًا وموسميًّا، وغالبًا ما كانت الثَّقافة الدينية والأعراف المحلِّية تكبح التبذير وتُحافظ على معنى الاكتفاء.
messages.addmessages.comment