مجلة تبيين العدد الثامن: الإعلام في مرآة القرآن: مسؤوليّة الكلمة ومعركة الوعيّ

مشاركة هذا الموضوع :

ملخصات البحوث

ليسَ الإعلامُ مجرّدَ تقنياتِ بثٍّ ونشرٍ وتداولٍ للمعلومةِ، ولا مجرّدَ منصّاتٍ تصرخُ فيها الآراءُ.

 إنّ الإعلامَ، في جوهرِه، فعلٌ خُلُقيٌّ يُشكِّلُ الوعيَ ويهندسُ الحسَّ العامَّ، ويقرِّرُ ما إذا كانتِ المجتمعاتُ ستتّجهُ نحوَ الحقِّ والعدلِ والسّكينةِ، أمْ نحوَ الفتنةِ والتّناحرِ والذّعرِ. لهذا يحتلُّ الإعلامُ في التّصوّرِ القرآنيِّ منزلةً تتجاوزُ "الأداةَ" إلى "المسؤوليّةِ"، وتتعالى على "الحيادِ الباردِ" إلى "القولِ السّديدِ" المبنيِّ على الصّدقِ والبيّنةِ والعدلِ. فالكلمةُ في القرآنِ عهدٌ ومسؤوليّةٌ: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18]. ومنْ هنا، لا يُفهَمُ الإعلامُ القرآنيُّ بوصفِه مجرّدَ نقلٍ، وإنّما بوصفِه بلاغًا مؤسِّسًا، وتربيةً للذّائقةِ الخُلُقيّةِ، وبناءً لعقلٍ جمعيٍّ يقِظٍ.

لقد أولى القرآنُ الكريمُ للكلمةِ مكانةً مميَّزةً، لما لها من أثرٍ في بناءِ الإنسانِ والمجتمعِ أو هدمِهما، ومعَ تطوُّرِ وسائلِ الإعلامِ واتّساعِ نطاقِ تأثيرِها، ازدادتِ الحاجةُ إلى استحضارِ المرجعيَّاتِ الخُلُقيَّةِ والضَّوابطِ الشرعيَّةِ في ممارسةِ الإعلامِ، لضمانِ عدمِ الانحرافِ في نقلِ الكلمةِ أو توظِيفِها.

فالكلمةُ قد تكونُ سلاحًا فعَّالًا في الدّفاعِ عن الحقِّ والخيرِ، كما أنَّها قد تكونُ أداةً قويَّةً في نشرِ الظُّلمِ والفسادِ. لذلكَ يجبُ على كلّ فردٍ أن يدركَ خطورةَ الكلمةِ، وأنْ يستخدمَها بحكمةٍ وعنايةٍ، مع مراعاةِ الأثرِ الذي قد تحدِثُهُ في الآخرينَ وفي المجتمعِ كلّه.

وسيتناولُ هذا البحثُ موضوعَ الإعلامِ منْ منظورٍ قرآنيّ، من خلالِ تتبُّعِ ما وَرَدَ من آياتٍ قرآنيَّةٍ أشارتْ إلى (الكلمةِ) ووسائلِ نقلِها وتأثيرِها في المجتمعِ، لتسليطِ الضَّوءِ على الضَّوابطِ الخُلُقيَّةِ التي حدَّدها الوحيُ، والمعاييرِ الشرعيَّةِ التي ينبغي أنْ يلتزمَ بها الخطابُ الإعلاميُّ، ثمّ بيانُ صفاتِ وأهدافِ الإعلامِ الإسلاميِّ المقيَّدِ بآياتِ القرآنِ الكريمِ.

حُرّيَّة التعبير مفهوم أصيل، يتمتع بأهمية كبيرة على الساحة الفكرية في مجتمعاتنا في الوقت الحاضر وبالخصوص فيما يتعلّق بالجانب الإعلامي.

 وقد عملت هذه الورقة البحثية على دراسته بنحو تفصيلي وفق الرؤية القرآنية، وإثبات أصله، وتحليل عناصره، والموانع التي تقف أمامه، ثم التفريق بينه وبين الإشاعات والكذب والافتراء، من خلال منهج استقرائي تحليلي يقوم على جمع الآيات القرآنية المتعلّقة بالموضوع، وتحليلها وفق السياق اللغوي والتفسيري، للحصول على هيكلية متكاملة لحُرّيَّة التعبير في الإعلام.

 وقد خلصت الدراسة إلى نتائج عدّة، أهمّها: أنّ القرآن الكريم أقرّ حُرّيَّة التعبير باعتباره حقًّا إنسانيًّا أصيلًا، لكنّه ضبطها بجملة من القيود الشرعية والخُلُقية. وتبيّن أنّ التصوّر الغربي يقوم ظاهرًا على إقرار الحُرّيَّة الفردية المُطلقة، بينما يوازن المنهج القرآني بين حُرّيَّة الفرد ومسؤوليته في استقرار المجتمع وسكينته، وتؤكّد الدراسة أنّ الرؤية القرآنية لحُرّيَّة التعبير إعلاميًّا ليست إنكارًا للحُرّيَّة، ولا إطلاقًا لها، بل هي منظومة متكاملة تجعل حُرّيَّة الكلمة أداة للبناء، والإصلاح.

يتناولُ هذا البحثُ التضليلَ الإعلاميَّ في سياقِ صراعِ الحقِّ والباطلِ عبرَ التاريخِ والواقعِ، ويتوقّفُ عندَ أخطرِ مظاهرِهِ في زمنِ الأنبياءِ(ع)؛

 حيثُ ظهرَ التضليلُ الإعلاميُّ الشيطانيُّ لأهلِ الباطلِ، بالوسوسةِ، والنزغِ، والتزييفِ، والتشويهِ، والتمويهِ، للحقائقِ؛ مكرًا وخداعًا وتسويلًا، بأساليبَ ووسائلَ وطرقٍ مختلفةٍ، توسّلَها شياطينُ الإنسِ والجنِّ عبرَ ضخٍّ إعلاميٍّ كبيرٍ، لحرفِ الناسِ وصرفِهم عن الحقِّ، وإبقائِهم في غياهبِ الجهلِ، والتخلّفِ، والرجعيّةِ، والانحطاطِ، والسفالةِ!

  وقد عملَ الأنبياءُ(ع) في صراعِ الحقِّ معَ الباطلِ على توعيةِ الناسِ وتبصيرِهم بالحقيقةِ، من خلالِ مواجهةِ التضليلِ الإعلاميِّ لأهلِ الباطلِ؛ بالحكمةِ والبرهانِ والبصيرةِ والوعيِ.

  وقد تعرّضَ البحثُ لتجارب عددٍ من الأنبياءِ(ع) الذين حكى القرآنُ الكريمُ مواجهتَهم التضليلَ الإعلاميَّ لأقوامِهم؛ وهمُ الأنبياءُ: نوحٌ(ع)، وهودٌ(ع)، وصالحٌ(ع)، وموسى(ع)، والنبيُّ محمّدٌ (ص).

تتناولُ هذه الدّراسةُ الدورَ القرآنيَّ للكلمةِ الرساليَّةِ في بناءِ الإنسانِ المنتظِر وهندسةِ وعيِهِ المهدويّ، انطلاقًا من كونِ الكلمةِ في القرآنِ الكريمِ ليستْ مجردَ وسيلةٍ للتَّعبيرِ، بل أداةً تغييريَّةً، وصناعةً للوجدانِ، وبناءً للعقلِ الجماعيّ.

 وقد جرى التَّركيزُ على استكشافِ كيفيَّةِ مساهمةِ الكلمةِ الملتزمةِ في كشفِ الحقِّ، وزعزعةِ الباطلِ، وصياغةِ وعيِ الإنسانِ في أفقِ الانتظارِ، ليكونَ فاعلًا في التَّمهيدِ للعدلِ الإلهيّ الموعودِ. 

كما تهدفُ هذه الدراسةُ إلى تأصيلِ الرُّؤيةِ القرآنيَّةِ للكلمةِ باعتبارِهَا وسيلةً لبناءِ الوعيِ، وإبرازِ معالمِ الإنسانِ المنتظِر وفقَ منطقِ الوحيِ، وربطِ الإعلامِ الرّساليِّ بمشروعِ التَّمهيدِ، وتقديمِ توصياتٍ عمليَّةٍ لتأسيسِ خطابٍ إعلاميٍّ مهدويٍّ، يستمدُّ رؤيتَهُ من القرآنِ الكريمِ، ويسهمُ في إعدادِ الأمَّةِ لاستقبالِ الوعدِ الإلهيّ بالعدلِ والخلافةِ.

تسعى هذهِ الدراسةُ إلى تحليلِ مفهومِ الرَّقابةِ الذاتيّةِ في الإعلامِ الإسلاميِّ؛ باعتبارِها أحدَ أهمِّ المحدِّداتِ الخُلُقيَّة والسوسيولوجيّةِ التي تضبطُ الكلمةَ الإعلاميّةَ في سياقٍ عالميٍّ متحوِّلٍ.

ينطلقُ البحثُ من الأساسِ القرآنيِّ الذي جعلَ من الضميرِ الحارسِ الداخليِّ للكلمةِ، ومن استحضارِ الجزاءِ الأخرويِّ رادعًا يسبقُ كلَّ سلطةٍ خارجيّةٍ. كما يبرزُ دورُ النماذجِ القرآنيّةِ والنبويّةِ والعلويّةِ في تجسيدِ قيمِ الصدقِ والحكمةِ والمسؤوليّةِ.

  ومن جهةٍ أخرى، تستأنسُ الدراسةُ بالمقارباتِ السوسيولوجيّةِ الحديثةِ، مثل الضميرِ الجمعيِّ عند (دوركايم (Durkheim-، ورأسِ المالِ الرمزيِّ عند (بورديوBourdieu-)، لفهمِ الوظائفِ التربويّةِ والاجتماعيّةِ للإعلامِ.

  وفي الأخيرِ، تقترحُ الدراسةُ نموذجًا مثاليًّا لميثاقٍ خُلُقيّ للإعلامِ الإسلاميِّ قائمٍ على الرَّقابةِ الذاتيّةِ، بوصفِها أفقًا لتوازنٍ حقيقيٍّ بين الحريّةِ والمسؤوليّةِ.

عرضَ (دانيل ماديغان-Daniel Madigan) في كتابهِ "صورُ القرآنِ عن نفسِهِ"، نظريّةً خاصّةً عن معنى "الكتاب" في القرآنِ، استنادًا إلى منهجِ علمِ المعنى [علمِ الدلالة] الخاصِّ بـ (توشيهيكو إيزوتسو (Toshihiko Izutsu- ترفضُ هذه النظريّةُ المعنى المتعارفَ لـ "الكتاب"، وتحصرُه في معنى العلمِ والمشيئةِ الإلهيّةِ.

لم تنقدِ المحافلُ العلميّةُ في الغربِ وفي العالمِ الإسلاميِّ هذه النظريّةَ حتّى الآن كما ينبغي، وقد نالت القبولَ من قِبَل كثيرين، وغدت حجرَ أساسٍ لنظريّاتٍ أخرى في فهمِ الموضوعاتِ القرآنيّةِ. يدرسُ هذا المقالُ المساعيَ التي بذلها (ماديغان) في هذا السياقِ، مستندًا إلى نظريّةِ علمِ المعنى لدى (إيزوتسو)، كما يَرنُو إلى استخلاصِ هذه النتيجةِ بأنّهُ بتقويمِ إنجازاتِ (ماديغان) لن نستطيعَ أن نعدَّ بحثَهُ نموذجًا منطبقًا على منهجِ (إيزوتسو)، ولهذا ينبغي النظرُ بشكٍّ إلى نتائجِ تحليلاتِه؛ لأنّ مساعيَ (ماديغان) سواء من جهةِ المنهجِ والأسلوبِ أم من جهةِ نوعِ الإفادةِ من المصادرِ تختلفُ كثيرًا عمّا قامَ به (إيزوتسو)؛ حيثُ لا يمكنُ عدُّ رأيِه معتمدًا على علمِ المعنى الخاصِّ بـ (إيزوتسو) .

في لحظةٍ فارقةٍ من الوعيِ الإيمانيِّ، يأتي هذا الكتابُ ليكشفَ عن الوجهِ الخفيِّ لظاهرةِ الاستهزاءِ بوصفِها أداةً رمزيةً فاعلةً في مواجهةِ الوحيِ، لا مجرّدَ فعلٍ هامشيٍّ عابرٍ.

 ومن خلالِ قراءةٍ معمّقةٍ لنصوصِ القرآنِ الكريمِ، يسبرُ (الدكتور محمّد مرتضى) أغوارَ السخريةِ بوصفِها سلوكًا نفسيًّا واجتماعيًّا معقّدًا، يكشفُ عن الرفضِ والخوفِ من التحوّلِ، ويُستخدمُ لتقويضِ الرموزِ الدينيةِ وتحطيمِ الهالةِ الروحيةِ من حولِها.


يُركّزُ المشروعُ على فهمِ عقليةِ المستهزئ، من خلالِ تحليلِ بنيةِ الخطابِ الساخرِ، وموقفِه من التغييرِ، والآلياتِ التي يستخدمُها للتشويشِ على الحقيقةِ الرمزيةِ. فالسخريةُ، كما يصوّرُها القرآنُ الكريمُ، ليست مجرّدَ ردِّ فعلٍ آنيٍّ على الرسالةِ، وإنّما استراتيجيةٌ متكرّرةٌ يتبنّاها المستكبرونَ والعوامُّ والمثقفونَ المزيَّفونَ، في محاولةٍ للهروبِ من المواجهةِ الفكريةِ.


في هذا الكتابِ دعوةٌ صريحةٌ لاستعادةِ الوعيِ الرمزيِّ، في زمنٍ أُديرتْ فيه معاركُ الإيمانِ بالكلماتِ والصورِ والضحكاتِ، وهو محاولةٌ لفهمِ المستهزئ بوصفِه خصمًا وكائنًا مأزومًا، يختبئُ وراءَ الاستهزاءِ؛ لأنَّه يفتقرُ إلى الشجاعةِ اللازمةِ للنظرِ في وجهِ الحقيقةِ.

التعليقات


قد يعجبك

مجلة «تبيين للدراسات القرآنية»(Tabyin for Quranic studies) ، هي دورية علمية فصلية مُحكّمة، تصدر عن «مركز براثا للدراسات والبحوث» في بيروت.
messages.copyright © 2023, تبيين للدراسات القرأنية